بسم الله الرحمن الرحيم
هل الله خيّر؟
كان ذلك عنوان لمحاضرة بروفيسور علم الفلسفة ( الملحد ) في إحدى الجامعات, والذي كان يكره الإسلام والمسلمين, ويدعي بأنه لا يوجد رب وإله خالق لهذا العالم وأنها ما هي إلا خرافة توارثها الناس من أجدادهم لضعفهم وجهلهم. لكن وفي إحدى المرات واجه هذا البروفيسور طالبا مسلما, كان الصباح مشرقيا بهيا في ذلك اليوم, وكانت هذه المحاضرة الأولى لمجموعة جديدة من طلاب وطالبات من مختلف الجنسيات يدرسون الفلسفة, وكان أول ما فعله بعد أن وقف أمام فصله, أن طلب من أحد طلبته المستجدين أن يقف, وبدأ البروفيسور حديثه قائلاً: (أنت مسلم، أليس كذلك يا بني؟) فقال الطالب الذي كان مسلما: (نعم، يا سيدي.) فسأله البروفيسور: (لذلك فأنت تؤمن بالله؟) فرد الطالب المسلم: (تماماً.) فقال البروفيسور : (هل الله خيّر؟) فأجاب الطالب المسلم ودهشته تبدو على وجهه: (بالتأكيد! الله خيّر!!) فسأله البروفيسور مرة أخرى: (إذن أخبرني, من خلق الشيطان؟ ومن خلق الفقر والظلم والظلام؟ من خلق كل هذا؟) فلم يجبه الطالب, فقال: (دعني أسألك سؤالا أسهل, هل الشيطان شرير؟) فأجاب الطالب متمتما: (نعم.) فقال البروفيسور: (كيف تقول بأن الله خير وهو الذي خلق الشر في العالم؟ أخبرني؟) وظل الطالب في صمت محنٍ رأسه في ذهول وخجل, فكر البروفيسور للحظات ثم قال: (يقول العلم أن لديك خمس حواس تستعملها لتتعرف و تلاحظ العالم من حولك، أليس كذلك؟ هل رأيت الله؟ هل سبق وشعرت بإلهك؟ تذوقت إلهك؟ أو شممت إلهك فعلياً؟ هل لديك أيّ إدراك حسّي لإلهك من أي نوع؟) فقال الطالب في ضعف: (لا يا سيدي لم يحدث ذلك من قبل, ليس لدي أي إدراك حسي لله.) بدأ البروفيسور يتعاطف مع الطالب المسلم خاصة وهو يشعر بقوته أمام عجز الطالب, فأخذ رشفه ماء من كوب على مكتبه لإعطاء الطالب وقتاً للاسترخاء ثم قال في هدوء وثقة: (يجب عليك أن تتأنى مع المستجدين في علم الفلسفة. اجلس, اجلس يا بني.) قال ذلك في لهجة حاول أن تكون أبوية خالصة, وجلس الطالب المسلم مهزومًا ليرفع طالب مسلم آخر يده للاستئذان في إبداء وجهة نظره, فسمح له البروفيسور وعلى شفاهه ظل ابتسامة, فنهض الطالب المسلم وقال: (لقد أثرت بعض النقاط الممتعة يا سيدي، والآن لدي سؤال لك, هل هنالك شيء اسمه الحرارة؟) فقال البروفيسور في تعجب من سؤاله: (نعم هنالك ما يسمى بالحرارة.) فقال الطالب مبتسما: (وهل هنالك شيء اسمه البرودة؟) فرد البروفيسور: (نعم يا بني يوجد برودة أيضاً.) فقال الطالب المسلم : (لا يا سيدي لا يوجد. يمكنك الحصول على الكثير من الحرارة، حرارة عظيمة، حرارة ضخمة، حرارة لدرجة انصهار المعادن، حرارة بسيطة، أو لا حرارة على الإطلاق، ولكن ليس لدينا شيء يدعى البرودة فيمكن أن نصل حتى 458 درجة تحت الصفر، وهي ليست ساخنة، لكننا لن نستطيع تخطي ذلك، لا يوجد شيء اسمه البرودة، وإلا لتمكنا من أن نصل لأبرد من 458 تحت الصفر. يا سيدي, البرودة هي فقط كلمة نستعملها لوصف حالة غياب الحرارة، فنحن لا نستطيع قياس البرودة بوحدة خاصة بها، أما الحرارة يمكننا قياسها بالوحدات الحرارية لأن الحرارة هي الطاقة، البرودة ليست عكس الحرارة يا سيدي، إن البرودة هي فقط حالة غياب الحرارة.) سكت الطالب ليستعيد أنفاسه قليلا ليلاحظ سكوتا حادا في الفصل، فابتسم وقال: (هل يوجد شيء اسمه الظلام يا بروفيسور؟) رد البروفيسور في شك: (نعم.) فقال الطالب المسلم: (أنت مخطئ مرة أخرى يا سيدي، الظلام ليس شيئا محسوساً، إنها حالة غياب شيء آخر، يمكنك الحصول على ضوء منخفض، ضوء عادي، ضوء مضيء، بريق الضوء، ولكن إذا كان لا يوجد لديك ضوء مستمر فإنه لا يوجد لديك شيء، وهذا يدعى الظلام، أليس كذلك؟ هذا هو المعنى الذي نستعمله لتعريف الكلمة، في الواقع، الظلام غير ذلك، و لو أنه صحيح لكان بإمكانك أن تجعل الظلام مظلما أكثر وأن تعطيني برطمان منه، هل تستطيع أن تعطيني برطمان من ظلام مظلم يا بروفيسور؟) مستحقراً الطالب، ابتسم البروفيسور لوقاحة الشاب أمامه وقال: (هل تمانع إخبارنا ما هي نقطتك يا فتى؟) فرد الطالب المسلم : (نعم يا بروفيسور، نقطتي هي، أن افتراضك الفلسفي فاسد كبدايةً ولذلك يجب أن يكون استنتاجك خاطئاً.) رد البروفيسور في غضب: (فاسد؟ كيف تتجرأ؟!) فقال الطالب المسلم: (سيدي، هل لي أن أشرح ماذا أقصد؟) نظر البروفيسور حوله ليجد الفصل كله أذان صاغية فقال متذمرا: (تشرح؟! آآآآه أشرح.) كان البروفيسور يبذل مجهودا جبارًا لكي يستمر في تحكمه على أعصابه, وفجأة لوّح بيده لإسكات الفصل كي يستمر الطالب, قال الطالب المسلم : (أنت تعمل على افتراض المنطقية الثنائية ذلك على سبيل المثال أن هناك حياة و من ثم هناك ممات، إله خيّر وإله سيئ، سيدي إن العلم نفسه لا يمكنه حتى شرح فكرة أنه يستعمل الكهرباء والمغناطيسية فهي لم تُـر أبداً، رغم ذلك فهم يفهمونها تمامًا، إن رؤية الموت كحالة معاكسة للحياة هو جهل بحقيقة أن الموت لا يمكن أن يتواجد كشيء محسوس، الموت ليس العكس من الحياة، بل هو غيابها فحسب, وبالتالي يا سيدي، الفسق و الفجور هما غياب للمبادئ الأخلاقية فحسب، هل هناك شيء اسمه الظُـلّم؟ لا، الظلّم هو غياب العدل، هل هناك شيء اسمه الشرّ؟ أليس الشر هو غياب الخير؟) احمر وجه البروفيسور في غضب ولم يقل شيئا, فقال الطالب المسلم : (أخبرني يا بروفيسور هل تدرسّ تلاميذك أنهم تطوروا من قرد؟) فقال البروفيسور: (إذا كنت تقصد العملية الارتقائية الطبيعية يا فتى، فنعم أنا أدرّس ذلك.) ابتسم الطالب المسلم وقال: (هل سبق وأن رأيت هذا التطوّر بعينك الخاصة يا سيدي؟) ظل البروفيسور صامتا في حنق, فأجاب الطالب المسلم : (بروفيسور، بما أنه لم يسبق لأحد أن رأى عملية التطوّر هذه فعلياً من قبل ولا يمكن حتى إثبات أن هذه العملية تتم بشكل مستمر، فهي غير موجودة إذًا، ألست تدرسّ آرائك يا سيدي؟ إذا فأنت لست بعالم و إنما قسيس.) فقال البروفيسور : (أنا أؤمن بالموجود، وهذا هو العلم.) فقال الطالب المسلم وهو يتبع نفس أسلوب سخرية البروفيسور: (آه العلم ! سيدي، ذكرت بشكل صحيح أن العلم هو دراسة الظواهر المرئية، فالعلم أيضاً هو فرضيات فاسدة.) بدأ الفصل يصدر ضجيجاً، فتوقف التلميذ المسلم إلى أن هدأ الضجيج وقال: (لإكمال النقطة التي كنت أشرحها لباقي التلاميذ، هل يمكن لي أن أعطي مثالاً لما أعنيه؟) بقي البروفيسور صامتا بحكمة، فقال الطالب المسلم : (هل يوجد أحد من الموجدين بالفصل سبق له وأن رأى عقل البروفيسور؟) اندلعت الضحكات بالفصل, وأشار التلميذ المسلم إلى أستاذه العجوز المتهاوي وهو يقول: (هل يوجد أحد هنا سبق له و أن سمع عقل البروفيسور؟ لمس عقل البروفيسور؟ تذوق أو شمّ أو رأى عقل البروفيسور؟ يبدو أنه لا يوجد أحد قد فعل ذلك. حسناً، طبقاً لقانون التجريب والاختبار وبروتوكول علم ما يمكن إثباته كما يقول البروفيسور، فإنني أعلن أن هذا البروفيسور لا عقل له.) عمت الفوضى في الفصل وجلس الطالب المسلم في هدوء وثقة، بينما البروفيسور لم يتفوه بكلمة.
منقول